لعبة الأمم ...

 


بعد إنتخابات 2014، وبعد لقاء باريس الشهير الذي جمع الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي، قلت إن حالة التوافق بين الدساترة والخوانجية لن تدوم طويلا، إستغرب البعض وإستهجن البعض الآخر، دافعهما في ذلك التحليل الميكانيكي؛ كلاهما أحزاب يمينية ما يجمعهما البرنامج الإقتصادي والإجتماعي. لقد تشبثت بهذا الموقف ولقد صرحت في العديد من التدوينات أن الرئيس المغدور الباجي قايد السبسي كان يمارس المخاتلة مع شيخ الإرهاب راشد الغنوشي، فكل إيحاءاته كانت شاهدة على عدائه للنهضة، كان يعمل في الليل وفي النهار من أجل إستأصالها،وربما تكون رئاسة الجمهورية وراء تسريب الكم الهائل من الوثائق و المؤيدات التي تؤكد إرتباط حركة النهضة بالجهاز السري الأمني ودوره في الإغتيالات السياسية والإرهاب.

كما أعتقد أن يوسف الشاهد لم يتمرد على رئيس الجمهورية وإنما هو مجرد تقسيم أدوار من أجل الإستقرار الحكومي ولترويض حركة النهضة وقضمها تدريجيا.... وما يؤكد وجهة النظر هذه الدور الكبير الذي لعبه يوسف الشاهد في تدجين قيس سعيد وتطويعه من أجل أن ينخرط في الخندق المواجه للإستعمار التركي الإخواني و إدخاله "للسيستام". وكما أن كتلة تحيا تونس ،منذ البداية أعلنت العداء لحركة النهضة وعملت على سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.....

فمنذ إمضاء بروتوكول الإستقلال سنة 1956، كبل الإستعمار الفرنسي الدولة التونسية بجملة من الإتفاقيات شملت جميع المجالات الإقتصادية، السياسية، الثقافية... شكلت هذه المعاهدات الثنائية إمتياز للدولة الفرنسية جعلت من تونس حديقة خلفية لها، فتحول بذلك الإستعمار من شكله المباشر إلى الغير مباشر. واذا ما دققنا في البنية التحتية للإقتصاد التونسي لأدركنا حجم التداخل بينه وبين الأقتصاد الفرنسي خاصة والإتحاد الأوروبي عامة.

بعد إنتخابات 23 أكتوبر 2011،عملت حركة النهضة على بناء بنية إقتصادية شملت جميع القطاعات؛ مطارات، نزل، وكالات أسفار، شركات طيران، مؤسسات بنكية ومالية، مساحات تجارية كبرى.... من خلال الدعم القطري، عملت حركة النهضة على تمكين الدولة التركية من الإقتصاد التونسي المنهك بسبب عدم التكافئ في التنافس وعدم الإستقرار الأمني والسياسي للبلاد.

منذ أن فشلت مفاوضات إنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي ، وكلت الإمبريالية الأمريكية تركيا (الدولة الإقليمية الصاعد والحالمة بإحياء الإمبراطورية العثمانية) للعب دور الوكيل الحصري والحارس لمصالحها في إطار برنامج الشرق الأوسط الجديد وشمال إفريقيا. فمنذ" الربيع العربي "أطلقت يدى الجيش الإنكشاري ينهش كل مدن الوطن العربي خربت سوريا، دمرت العراق، اليمن،ليبيا،مصر،تونس...

كبر المارد التركي وإستفحل ومن خلال جيشه الإنكشاري داعش وخلاياه النائمة في كل بقاع العالم، هدد الأمن الأوروبي، فقامت ذئابه المنفردة بعدة عمليات إرهابية...

وقامت المخابرات التركية بتسيير مئات الآلاف من اللاجئين، وغزت هذه القوافل الإتحاد الأوروبي.....

تصدع الإتحاد الأوووبي،خرجت بريطانيا من الإتحاد (شعار حملة البريكسيت؛ حماية الحدود من الإرهاب واللاجئين بعيدا عن قوانين البرلمان الأوروبي المفرطة في حقوق الإنسان).

منذ تلك اللحظة أصبح السلم الدولي مهدد. إحتدم التناقض بين الإمبرياليات؛ الأمريكية والبريطابنية من جهة و الإتحاد الأوروبي ( فرنسا وألمانيا خاصة) من جهة إخرى ومن بين أهم ملفات الخلاف الملف التركي.... وبفضل الإنتصارات التي حققها الجيش السوري بواسطة الدعم الإيراني الروسي الصيني، وبفضل الإنقلاب على حكم العميل الإخواني مرسي العياط... مثلت هذه التحولات الجذرية أدوات ضغط على الإمبريالية الأمريكية من أجل التخلي على العميل التركي.


أخيرا إتفقت كل الإمبرياليات على ضرورة كنس الحلم الإخواني التركي ولقد إختارت الأراضي الليبية مقبرة له بعيدا عن إدلب وعن حدود الإتحاد الأوروبي. وما تشهده تونس اليوم هي الحمى الناتجة عن العملية القيصرية لإزالة الزائدة الإخوانية من جسد الوطن،ربما بعض التورمات قد تحصل هناء او هناك تحت عدة مسميات إعتصام الكامور مثلا.... فالمخطط واحد من الموصل إلى إدلب إلى مصراطة إلى تطاوين... والنتيجة لن تكون إلا في إتجاه القضاء على الزائدة الإخوانية التركية العثمانية ووأد حلمهم بالخلافة السادسة وإلى الأبد.

ليست هناك تعليقات

أضف تعليق